من “الاجتياح الاول” الى “سهام الشمال”… “الاجتياح محدود” أم “سيناريو مُبطن”؟

كتب جان بيار وهبه

من “الاجتياح الاول” الى “سهام الشمال”… “الاجتياح محدود” أم “سيناريو مُبطن”؟

مع تطور اوضاع الجبهة الجنوبية اللبنانية بدأ الاجتياح الاسرائيلي البري المحدود تحت ما أسمته اسرائيل ” سهام الشمال”. فقد أشار الجيش الاسرائيلي الى أنه يخطط للتوغل في الجنوب اللبناني بمسافة 1 الى 2 كلم في المرحلة الاولى.
فما هي ابرز الاجتياحات الاسرائيلية على لبنان من 14 أذار 1978 وصولا لـ”سهام الشمال”؟

الاجتياح الاول

عملية الليطاني هي أولى حروب اسرائيل ضد “المقاومة الفلسطينية”، شنتها في آذار 1978، ردا على “عملية كمال عدوان “، بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان وإقامة منطقة عازلة.
وأسفرت العملية عن مقتل 18 جنديا إسرائيليا وجرح 113 شخصًا، واستشهاد حوالي 300 مقاتل فلسطيني. كما استشهد نحو 1100 مدني لبناني وأصيب أكثر من 2000 آخرين، ونزح ما بين 100 ألف و250 ألف شخص من منازلهم.
وقادت الشابة دلال المغربي فرقة دير ياسين المكونة من 12 فدائيا، للقيام بعملية خطط لها خليل الوزير (أبو جهاد)، وتقضي بالسيطرة على حافلة عسكرية إسرائيلية والتوجه إلى تل ابيب لمهاجمة مبنى الكنيست، بهدف الضغط على الاحتلال لإطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين. وقد سميت العملية باسم “الشهيد الفلسطيني كمال عدوان”.
عندما اقتربت دلال وفرقتها من تل أبيب، أوكلت الحكومة الإسرائيلية لفرقة خاصة بقيادة إيهود باراك مهمة إيقاف الحافلة والقضاء على الفدائيين أو اعتقالهم.
بعد مضي 3 أيام فقط على عملية “كمال عدوان”، وتحديدا يوم 14 آذار 1978 باشر الجيش الإسرائيلي هجومه البري على الجنوب اللبناني بجيش قوامه حوالي 25 ألف جندي.
وبحلول نهاية اليوم الأول من الغزو، تمكنت القوات الإسرائيلية من السيطرة على ما لا يقل عن 5 مواقع فلسطينية جنوب نهر الليطاني، وتبع ذلك قصف ميناء صور بزعم أن منظمة التحرير كانت تتلقى منه أسلحة.

الاجتياح 1982
في صيف عام 1982 شهد لبنان واحدة من أعنف وأشرس الحروب في تاريخه الحديث، عندما شنت القوات الإسرائيلية هجوما واسع النطاق على الأراضي اللبنانية، أطلقت عليه عملية “سلامة الجليل”.
كان هذا الاجتياح يهدف إلى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وبنيتها في لبنان، وإعادة تشكيل الواقع السياسي في المنطقة لصالح إسرائيل.
خلّف هذا الغزو آثارا مدمرة على الصعيدين الإنساني والسياسي، مما أدى إلى تداعيات جيوإستراتيجية في المنطقة استمرت عقود. عدة
من أهم اسباب اتخاذ قرار الاجتياح في عام 1982:
• الشريط الأمني: إذ أرادت إسرائيل إنشاء شريط أمني بطول نحو 40 كيلومترا شمالي الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
• محاولة اغتيال شلومو أرغوف: تعرض السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف لمحاولة اغتيال يوم 3 كانون الأول 1982.
• صواريخ سام السورية: أدخلت سوريا صواريخ سام إلى لبنان في أيار 1981، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن لعقد اجتماع في الكنيست في 11 أيار 1981 وطلب الموافقة على التدخل الإسرائيلي لضرب الصواريخ.
• الانتخابات الرئاسية اللبنانية: كانت إسرائيل تهتم بانتخابات الرئاسة اللبنانية في أب 1982، حيث رأت فرصة لقلب موازين القوى.
• الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل: بدأت الأزمة الاقتصادية بعد حرب تشرين الاول 1973 بسبب حظر النفط العربي.
• الظروف الدولية والإقليمية: كانت هناك ظروف دولية وإقليمية مواتية للغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، حيث ساد الصمت العربي بسبب الأزمات والحروب الداخلية، مما عكس تفتت التضامن العربي مقارنة بوضعه في حرب 1973.

حرب “تصفية الحساب”
وفي تموز 1993، وردًا على صواريخ حزب الله تجاه المستوطنات الشمالية، أعلنت إسرائيل عن حرب أطلقت عليها اسم “تصفيه الحساب”.
فهاجمت برًا وجوًا مناطق في جنوب لبنان ووسطه وشماله وحتى ضواحي بيروت.
هذه الحرب دامت 7 أيام، وراح ضحيتها 120 شهيدًا لبنانيًا، بينما قتل فيها 26 إسرائيليًا.

حرب “عناقيد الغضب”
أما في 9 نيسان 1996، فقد قتلت إسرائيل شابًا وأصابت آخرين في الجنوب اللبناني، فردّ حزب الله على هذه العملية بقصف مستوطنات “نهاريا” و”كريات شمونة”.
وأوقع الحزب في عمليته هذه عددًا من الجرحى وفق الإعلام الإسرائيلي، وبعد يومين أغارت إسرائيل على الضاحية الجنوبية لبيروت موقعة عددًا من الشهداء.

مجزرة قانا
يميّز اللبنانيون بين مجزرتَي بلدة قانا الأولى والثانية، من حيث التاريخ فقط لا وحشية إسرائيل، التي احتلت بلادهم وهاجمت أراضيها برًا وجوًا وبحرًا، فروّعت وقتلت وتركت دمارًا وخرابًا.
مجزرة قانا الثانية ولها حكاية أخرى تروى، ارتكبتها آلة القتل الإسرائيلية ومن خلفها حكومة الاحتلال في حرب تموز 2006، أما مجزرة قانا الأولى فتعود ذكراها إلى الثامن عشر من نيسان 1996.

حرب 2006
بعد شهر من إطلاق إسرائيل حربها على لبنان، يكون من المفيد أن نتوقف عند هذه الحرب الفريدة من نوعها في الظرف والوسيلة والنتائج، توقفاً نستعرض فيه ما حدد لها من أهداف وما آلت إليه من نتائج بعد هذه المدة التي تعتبر طويلة نسبيا إذا ما قورنت بحروب إسرائيل السابقة ضد العرب.
لم تحقق إسرائيل عمليا أيا من الأهداف التي وضعتها لهذه الحرب، بل وجدت القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية نفسها في حالة من الارتباك والتخبط العسكري والسياسي على ضوء خسائر لم تكن محسوبة ومفاجآت غير منتظرة في الأداء القتالي لحزب الله وتكتيكاته، وأدت تلك الخسائر عمليا إلى إنهاء رئيس الوزراء إيهود أولمرت سياسيا.

سهام الشمال
فجر ٣٠ أيلول ٢٠٢٤، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية برية “محددة الهدف والدقة” ضد أهداف تابعة لحزب الله اللبناني في منطقة جنوب لبنان، وذلك بناء على قرار سياسي اسرائيلي.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في بيان، إن العملية تستهدف البنى التحتية للحزب في عدد من القرى القريبة من الحدود، “والتي تشكل تهديدا فوريا وحقيقيا” للبلدات الإسرائيلية في الشمال.
وتُنفذ هذه الحملة، التي أُطلق عليها اسم “سهام الشمال”، بناءً على تقييم الوضع الأمني المتوازي مع القتال في غزة وجبهات أخرى، وفق المتحدث الذي أكد أن الجيش الإسرائيلي “يواصل العمل لتحقيق أهدافه وحماية مواطني دولة إسرائيل.”
ووسط هذا المخاض الذي يمر به الجنوب اللبناني منذ ٨ تشرين الاول الماضي، مع دخول حزب الله الحرب تحت عنوان “دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة ‌‏‌‏‌والشريفة، ودفاعًا عن لبنان ‏وشعبه، ورداً على الاستباحة الهمجية الإسرائيلية للمدن والقرى والمدنيين” وصولا الى اليوم الذي بدأت الغارات على الضاحية واستشهاد الامين العام لحزب الله حسن نصرالله وعدد كبير من قادة الحزب الى “الاجتياح البري المحدود”، يطرح السؤال نفسه: هل سيبقى الاجتياح “محدوداً” أم هناك “سيناريو مبطن” يخبأ للمنطقة؟

Exit mobile version